كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقال للعرب الذين كانوا قبل إسماعيل عليه السلام العرب العاربة وهم قبائل كثيرة منهم عاد وثمود وجرهم وطسم وجديس وأميم ومدين وعملاق وعبيل وجاسم وقحطان وبنو يقطن وغيرهم.
وأما العرب المستعربة فهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة وكان قد أخذ كلام العرب من جرهم الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى ولكن انطقه الله بها في غاية الفصاحة والبيان وكذلك كان يتلفظ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمقصود أن عادا وهم عاد الأولى كانوا من عبد الأصنام بعد الطوفان وكان أصنامهم ثلاثة صدا وصمودا وهرا فبعث الله فيهم أخاهم هودا عليه السلام فدعاهم إلى الله كما قال تعالى بعد ذكر قوم نوح وما كان من أمرهم في سورة الأعراف: {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين} وقال تعالى بعد ذكر قصة نوح في سورة هود: {وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربي على كل شيء حفيظ ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود} وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون بعد قصة قوم نوح: {ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين} وقال تعالى في سورة الشعراء بعد قصة قوم نوح أيضا: {كذبت عاد المرسلين إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وقال تعالى في سورة حم السجدة: {وأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون} وقال تعالى في سورة الأحقاف: {واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بيد يديه ومن خلفه أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به إليكم ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين} وقال تعالى في الذاريات: {وفي عاد إذ أرسلنا عليكم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} وقال تعالى في النجم: {وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشاها ما غشى فبأي آلاء ربك تتمارى} وقال تعالى في سورة اقتربت: {كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} وقال في الحاقة: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل يرى لهم من باقية} وقال في سورة الفجر: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد} وقد تكلمنا على كل من هذه القصص في أماكنها من كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة.
وقد جرى ذكر عاد في سورة براءة وإبراهيم والفرقان والعنكبوت وفي سورة ص وفي سورة ق ولنذكر مضمون القصة مجموعا من هذه السياقات مع ما يضاف إلى ذلك من الأخبار وقد قدمنا أنهم أول الأمم عبدوا الأصنام بعد الطوفان وذلك بين في قوله لهم: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة} أي جعلهم أشد أهل زمانهم في الخلقة والشدة والبطش وقال في المؤمنون: {ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} وهم قوم هود على الصحيح وزعم آخرون أنهم ثمود لقوله: {فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء} قالوا وقوم صالح هم الذين أهلكوا بالصيحة {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} وهذا الذي قالوه لا يمنع من اجتماع الصيحة والريح العاتية عليهم كما سيأتي في قصة أهل مدين أصحاب الأيكة فإنه اجتمع عليهم أنواع من العقوبات ثم لا خلاف أن عادا قبل ثمود.
والمقصود أن عادا كانوا عربا جفاة كافرين عتاة متمردين في عبادة الأصنام فأرسل الله فيهم رجلا منهم يدعوهم إلى الله وإلى إفراده بالعبادة والاخلاص له فكذبوه وخالفوه وتنقصوه فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر فلما أمرهم بعبادة الله ورغبهم في طاعته واستغفاره ووعدهم على ذلك خير الدنيا والآخرة وتوعدهم على مخالفة ذلك عقوبة الدنيا والآخرة {قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} أي هذا الأمر الذي تدعونا إليه سفه بالنسة إلى ما نحن عليه من عبادة هذه الأصنام التي يرتجى منها النصر والرزق ومع هذا نظن أنك تكذب في دعواك أن الله أرسلك {قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين} أي ليس الأمر كما تظنون ولا ما تعتقدون {أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين} والبلاغ يستلزم عدم الكذب في أصل المبلغ وعدم الزيادة فيه والنقص منه ويستلزم إبلاغه بعباة فصيحة وجيزة جامعة مانعة لا لبس فيها ولا اختلاف ولا اضطراب وهو مع هذا البلاغ على هذه الصفة في غاية النصح لقومه والشفقة عليهم والحرص على هدايتهم لا يبتغي منهم أجرا ولا يطلب منهم جعلا بل هو مخلص لله عز وجل في الدعوة إليه والنصح لخلقه لا يطلب أجره إلا من الذي أرسله فإن خير الدنيا والآخرة كله في يديه وأمره إليه ولهذا قال: {يا قوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون} أي ما لكم عقل تميزون به وتفهمون أني أدعوكم إلى الحق المبين الذي تشهد به فطركم التي خلقتم عليها وهو دين الحق الذي بعث الله به نوحا وأهلك من خالفه من الخلق وها أنا أدعوكم إليه ولا أسألكم أجرا عليه بل أبتغي ذلك عند الله مالك الضر والنفع ولهذا قال مؤمن يس: {اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} وقال قوم هود له فيما قالوا: {يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} يقولون ما جئتنا بخارق يشهد لك بصدق ما جئت به وما نحن بالذين نترك عبادة أصنامنا عن مجرد قولك بلا دليل أقمته ولا برهان نصبته وما نظن إلا أنك مجنون فيما تزعمه وعندنا إنما أصابك هذا أن بعض آلهتنا غضب عليك فأصابك في عقلك فاعتراك جنون بسبب ذلك وهو قولهم: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني برئ مما تشركون من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون} وهذا تحد منه لهم وتبر من آلهتهم وتنقص منه لها وبيان أنها لا تنفع شيئا ولا تضر وأنها جماد حكمها حكمه وفعلها فعله فإن كانت كما تزعمون من أنها تنصر وتنفع وتضر فها أنا برئ منها لاعن لها فكيدوني ثم لا تنظرون أنتم جميعا بجميع ما يمكنكم أن تصلوا إليه وتقدروا عليه ولا تؤخروني ساعة واحدة ولا طرفة عين فإني لا أبالي بكم ولا أفكر فيكم ولا أنظر إليكم {إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} أي أنا متوكل على الله ومتأيد به وواثق بجنابه الذي لا يضيع من لاذ به واستند إليه فلست أبالي مخلوقا سواه ولست أتوكل إلا عليه ولا أعبد إلا إياه وهذا وحده برهان قاطع على أن هودا عبد الله ورسوله وأنهم على جهل وضلال في عبادتهم غير الله لأنهم لم يصلوا إليه بسوء ولا نالوا منه مكروها فدل على صدقه فيما جاءهم به وبطلان ما هم عليه وفساد ما ذهبوا إليه وهذا الدليل بعينه قد استدل به نوح عليه السلام قبله في قوله: {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون} وهكذا قال الخليل عليه السلام: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم} {وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون} استبعدوا أن يبعث الله رسولا بشريا وهذه الشبهة أدلى بها كثير من جهلة الكفرة قديما وحديثا كما قال تعالى: {أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس} وقال تعالى: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدي إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا} ولهذا قال لهم هود عليه السلام: {أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم} أي ليس هذا بعجيب فإن الله أعلم حيث يجعل رسالته وقوله: {أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني} استبعدوا المعاد وانكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها ترابا وعظاما وقالوا هيهات هيهات أي بعيد بعيد هذا الوعد إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحى وما نحن بمبعوثين أي يموت قوم ويحيى آخرون وهذا هو اعتقاد الدهرية كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة أرحام تدفع وأرض تبلع.
وأما الدورية فهم الذين يعتقدون أنهم يعودون إلى هذه الدار بعد كل ستة وثلاثين ألف سنة وهذا كله كذب وكفر وجهل وضلال وأقوال باطلة وخيال فاسد بلا برهان ولا دليل يستميل عقل الفجرة الكفرة من بني آدم الذين لا يعقلون ولا يهتدون كما قال تعالى: {ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون} وقال لهم فيما وعظهم به: {أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون} يقول لهم أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيما هائلا كالقصور ونحوها تعبثون ببنائها لأنه لا حاجة لكم فيه وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام كما قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد} فعاد إرم هم عاد الأولى الذين كانوا يسكنون الأعمدة التي تحمل الخيام.
ومن زعم أن إرم مدينة من ذهب وفضة وهي تتنقل في البلاد فقد غلط وأخطأ وقال ما لا دليل عليه وقوله: {وتتخذون مصانع} قيل هي القصور وقيل بروج الحمام وقيل مآخذ الماء {لعلكم تخلدون} أي رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارا طويلة {وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} وقالوا له مما قالوا: {أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} أي أجئتنا لنعبد الله وحده ونخالف آباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه فإن كنت صادقا فيما جئت به فأتنا بما تعدنا من العذاب والنكال فإنا لا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نصدقك كما قالوا: {سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين إن هذا إلا خلق الأولين وما نحن بمعذبين} أما على قراءة فتح الخاء فالمراد به اختلاق الأولين أي أن هذا الذي جئت به الا اختلاق منك وأخذته من كتب الأولين هكذا فسره غير واحد من الصحابة والتابعين وأما على قراءة ضم الخاء واللام فالمراد به الدين أي أن هذا الدين الذي نحن عليه الا دين الآباء والأجداد من أسلافنا ولن نتحول عنه ولا نتغير ولا نزال متمسكين به ويناسب كلا القراءتين الأولى والثانية قولهم: {وما نحن بمعذبين} {قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين} أي قد استحقيتم بهذه المقالة الرجس والغضب من الله أتعارضون عبادة الله وحده لا شريك له بعبادة أصنام أنتم نحتموها وسميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم اصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان أي لم ينزل على ما ذهبتم إليه دليلا ولا برهانا وإذا أبيتم قبول الحق وتماديتم في الباطل وسواء عليكم أنهيتكم عما أنتم فيه أم لا فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم وبأسه الذي لا يرد ونكاله الذي لا يصد وقال تعالى: {قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين} وقال تعالى: {قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون} {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين} وقد ذكر الله تعالى خبر اهلاكهم في غير ما آية كما تقدم مجملا ومفصلا كقوله: {فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين} وكقوله: {ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم الا بعدا لعاد قوم هود} وكقوله: {فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين} وقال تعالى: {فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم}.